العذراء ذات الثلاث أيدي

posted 17 Jan 2012, 11:12 by Greek Orthodox Church

عذراء ذات الثلاث أيدي – القرن الثامن – الجبل المقدس – دير خيلانداريو

سمع القديس يوحنا وهو في مدينة دمشق عاصمة الدولة الأموية، بهذه الموجة العنيفة ضد الكنيسة، وكان حينئذٍ علمانياً يشغل منصب وزير الخزينة لدى الأموية، وكان اسمه المنصور بن سرجون. فإنبرى للرد على كل من يهاجم الأيقونات المقدسة واصفاً إياه بالهرطقة وبأنه يحارب تجسد ابن الله من العذراء، وتأله البشر بالنعمة الإلهية. واعتمد كثيراً على قول القديس باسيليوس الكبير: "إن إكرام الأيقونة يعود إلى عنصرها الأول".

ولما وصل الخبر الى الملك الكاره للأيقونات، أراد أن بنتقم من القديس يوحنا فلجأ الى الغش والخداع. فدعى إليه بعض الخطاطين ليقلدوا خط القديس برسالة مزورة ملفقة وكأنها على لسان القديس موجهة للملك لاون، وفيها يعرب للملك بأنه مستعد للتعاون معه ضد الخليفة الأموي وأن يسلم له مدينة دمشق. وبعد ذلك أرسل الملك لاون الى الخليفة الأموي الرسالة المزورة مع رسالة أخرى يكشف فيها خداع وخيانة المنصور له.

لما استلم الخليفة هاتين الرسالتين أسرع بإستدعاء المنصور (يوحنا)، فأراه الرسالة المزورة قائلاً له: أتعرف يا منصور هذا الخط ومن كتبه، فأجاب القديس: أيها الأمير كأن الخط مشابه لخطي وهو ليس خطي وألفاظه ما نطقت بها شفتاي ولم أرى هذا الكتاب إلا ي هذه الساعة الحاضرة. ولم يصدقه الخليفة، فأمر بقطع يده اليمنى. وتم تنفيذ الحكم في الحال و علقت يده في وسط مدينة دمشق.

عند المساء أرسل يوحنا الى الخليفة طالباً منه أن يهبه يده المقطوعة. فأذن له الخليفة بأخذها. أخذ القديس يوحنا كفه المقطوع وعاد الى بيته وصعد الى عليته (مكان صلاته) التي كانت فيها هذه الأيقونة. وضع كفه على الأيقونة وارتمى أمامها مصلياً بخشوع ودموع كي يكشف الله براءته من هذه التهمة وأن يشفي له يده كتأكيد لبراءته وكذلك تشفع الى السيدة العذراء، الى أن تعب فنام. وإذ بالسيدة العذراء تظهر له في الحلم قائلة: "لقد شفيت يدك التي ستكون قلم كاتب سريع الكتابة". وأخذت اليد عن الأيقونة ووضعتها مكانها، فعادت كما كانت. فاستيقظ القديس معافى اليد وأخذ يصلي شاكراً الله و أمه الفائقة القداسة. وللشهادة على قطع يده بقي موضع القطع كالخيط الأحمر.

ويقال انه بعد نهوضه من النوم أنشد في الحال ترنيمة "إن البرايا بأسرها تفرح بك يا ممتلئة نعمة".

في الصباح ذاع صيت هذا الشفاء العجيب في دمشق كلها. و بلغ الى مسمع الخليفة، قجاء الوشاة اليه قائلين ان يوحنا لم تقطع يده، بل أنه أعطى أحد عبيده أموالاً كثيرة كي تقطع يده عنه. فاستدعى الخليفة القديس ليستمع منه الدفاع. فأراه القديس علامة القطع التي بقيت كالخيط الأحمر. استغرب الخليفة، وسأله بدهشة عن الطبيب الذي اعاد له يده كما كانت. فأخبره يوحنا عن الأعجوبة التي حدثت معه، فعرف الخليفة بالخديعة وبأنه حكم على القديس ظلماً، فطلب منه المسامحة والمعذرة وأعاد له كرامته السابقة كوزير، ولكن القديس الذي كان قد عاهد نفسه على ترك الحياة الدنيوية، والتفرغ للحياة الملائكية، طلب من الخليفة أن يأذن له بترك كل شيء لكي يتفرغ لربه. فحزن الخليفة على خسارته يوحنا كصديق ووزير، لكنه تركه أخيراً.

ذهب القديس الى بيته، وباع ماله ووزعه على الفقراء وذهب متوجهاً الى فلسطين حيث التجأ الى دير القديس سابا المتقدس ولم يأخذ معه سوى هذه الأيقونة المقدسة. وقد صاغ القديس معصماً من الفضة ووضعه على هذه الأيقونة شكراً منه على شفائه العجيب وتذكيراً به.

بقيت هذه الأيقونة في دير القديس سابا من منتصف القرن الثامن حتى القرن الثالث عشر حين زار القديس سابا رئيس أساقفة صربيا الدير، فقدمت له هذه الأيقونة المقدسة كبركة له فحملها معه الى صربيا.

عند إحتلال الأتراك لبلاد صربيا، أخذ الأرثوذكسيين هذه الأيقونة وربطوها على حمار وأطلق فيما بعد على هواه بلا قائد ولا مرشد له. وكان أيمانهم بان الله سيعتني بهذه الأيقونة ويوصلها الى مكان أمين. وهكذا كان الأمر. فوصل الحمار الى جبل آثوس ووقف عند باب دير خيلاندرا (فم الأسد). فتلقى الرهبان هدية والدة الاله هذه بابتهاج، وحمولها الى هيكل الكنيسة الكبرى.

في بدء القرن السابع عشر توفي رئيس الدير فإجتمع الرهبان لينتخبوا خليفة له، فاختلفوا فيما بينهم وحصل اضطراب وانشقاق. وفي أحد الأيام اثناء صلاة السحر رأوا الأيقونة على كرسي الرئيس في وسط الكنيسة فأرجعوها الى الهيكل ظانين أن خدام الكنيسة هم الذين وضعوها. ولكن هذه الحادثة تكررت مرات عدة، الى أن ظهرت السيدة العذراء لأحد النساك وقالت له: "من اليوم أنا سأكون رئيسة للدير كي لا يحصل فيما بينكم الشقاق والخصام بسبب انتخاب رئيس جديد".

ومن ذلك الحين الى اليوم لاتزال الأيقونة قائمة على مقام الرئاسة وسط الكنيسة. فلا ينتخب رئيس لهذا الدير، وإنما يسوسه ويدبر أعماله كاهن راهب في وظيفة وكيل